مع سقوط نظام بشار الأسد، وهروبه إلى روسيا، أمامنا حقيقة ساطعة يجب أن نسلط الضوء عليها، وهي أن الحكم عبر الدم، لن يؤدي سوى إلى هلاك البلد، وانهيار الدولة.
يروى عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما».
ويعني هذا أن الرجل لو أخطا أو ارتكب إثما، فما زالت عنده فرصة للتوبة والإصلاح، إلا إذا قتل النفس، فهذا جرم لا رجعة عنه، وهو أمر يتطلب العقوبة في الدنيا والآخرة.
حكم بشار الأسد ومن قبله والده سوريا بالحديد والنار، وفي التعامل مع معارضيه لم يوفر رجالا أو نساء أو شيوخا أو أطفالا، ولم يتورع عن استخدام كل الموبقات من تعذيب واغتصاب وقتل، ولم يترك للسوريين أي مجال للتعايش معه.
إزهاق النفس وانتهاك العرض لا يجعل أمام الشخص مجالاً سوى الثورة، حتى لو كان ذلك يعني الموت، وتدمير كل شيء. وهذا ما وضعه نظام الأسد أمام شعبه.
تعمل الأنظمة المستبدة على انتهاك حيوات الناس وأعراضهم، وتتخذ من قضايا خارجية تجارة لتصرف النظر عن شلالات الدم التي تريقها. وفي حالة نظام الأسد كانت القضية الفلسطينية قضيته التجارية المركزية، مع أن سجونه كانت تعج بالفلسطينيين، كما أن النظام حاصر مخيم اليرموك وترك الناس يموتون جوعا فيه.
الطغاة يجلبون الغزاة، فهم بتجبرهم يشتتون المجتمع ويجعلونه فريسة للطامعين من الخارج الذين يستغلون حالة كره الناس للنظام ومظالمهم معه، للدخول والتحكم وتفتيت الدولة.
نأمل أن يكون سقوط نظام الأسد بداية لانفراجة في المنطقة، تقلل الحمل الذي على كاهل الأردن، الذي استقبل أشقاءه السوريين خلال هذه المحنة الطويلة، والذي كانت تكلفة استضافتهم حتى عام 2021 فقط قد تجاوزت 12 مليار دولار، وفق ما صرح به وقتها رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز.
مقابل نماذج الأنظمة المستبدة، تقف أمامنا تجربة الدولة الأردنية، التي تستحق أن تدرس كنموذج للحكم الرشيد في منطقة غير مستقرة تتجاذبها العواصف من كل اتجاه.
بنى الهاشميون مؤسسة الحكم في الأردن، ومنذ تأسيس الإمارة، على عقد اجتماعي يحفظ حيوات الناس وأعراضهم ومكانتهم، وبينما كانت أنظمة تمسح مدنا بأكملها من الوجود، فإن الدولة الأردنية لم تتعرض بالأذى لأي من معارضيها في نفسه أو عائلته، والكثير منهم كانوا في الخارج ثم عادوا ليتبوأوا مناصب مهمة في الدولة.
في الأردن فإن المرء ما أن يرى رجل الأمن حتى يشعر بالأمن والفخر، وانظر إلى السوشال ميديا لتجد عشرات الفيديوهات -التي هي غيض من فيض- لرقي تعامل رجال الأمن مع المواطنين، واللاجئين، وهو أمر يعكس رؤية مؤسسة الحكم وعلاقتها مع الشعب.
قد تكون لدينا مشاكل، فقر، صعوبات معيشية، ككل الدول في العالم، ولكن كل شخص فينا يعود إلى منزله وهو آمن، وهو يعلم أن الدولة بحكومتها وجيشها وأمنها هي في خدمته ولحمايته، لا لإلقائه في السجن وانتهاك حياته وكرامته.
هذا الكلام يجب أن يقال، خاصة أننا بدأنا نرى بعض «الرؤوس الحامية» التي تنظر إلى ما حدث في سوريا كزلزال يريد استخدامه كرافعة لأجنداته في الأردن، مع أن ما حصل في سوريا هو أكبر برهان على صوابية نهج مؤسسة الحكم الأردنية، وأمر يدعونا للالتفاف أكثر حول قيادتنا الرشيدة.